نيويورك مهووسة بالعلامة التجارية "لوي فويتون".
بدأت العلامة التجارية الأكبر التابعة لشركة "إل في إم إتش مويت هنسي لوي فويتون" تجديد متجرها الرئيسي في زاوية شارع إيست 57 وفيفث أفينيو في مانهاتن.
جرت تغطية أعمال البناء بتركيب مجسم فني يبلغ ارتفاعه 230 قدماً يُظهر 6 حقائب مزينة بشعار العلامة التجارية، لتتجاوز في ارتفاعها المعالم القريبة، ما جعلها معلماً سياحياً مفاجئاً وقد لاقى انتشاراً واسعاً على "تيك توك".
يوجد سبب وراء إنفاق "إل في إم إتش" (LVMH)، أكبر مجموعة للسلع الفاخرة في العالم، جزءاً من مواردها الكبيرة على هذا العرض، وليس فقط من أجل تحقيق انتشار واسع على الإنترنت.
التحول نحو السوق الأميركية
مع انحسار طلب الصين نتيجة التراجع الكبير في قطاع العقارات، وانشغال كوريا الجنوبية باضطرابات سياسية، أصبحت العلامات التجارية الفاخرة تعيد توجيه اهتمامها بالسوق الأميركية مجدداً. مع زوال حالة عدم اليقين التي كانت تحيط بالانتخابات الأميركية وارتفاع أسواق الأسهم ووصول سعر بتكوين إلى عتبة 100 ألف دولار، هناك فرصة جيدة أن يعود الأميركيون للإنفاق بقوة على السلع الفاخرة. مع ذلك، كان "محبو العملات المشفرة" أنقذوا القطاع خلال 2021 عندما كانت الصين تعاني من قيود الإغلاق بسبب وباء كوفيد وأجندة "الرخاء المشترك" للرئيس الصيني شي جين بينغ.
عادةً ما يرتبط الطلب على المنتجات الفاخرة في الولايات المتحدة الأميركية بأداء سوق الأسهم. ومع الصعود الكبير لمؤشر "ستاندرد أند بورز 500"، باستثناء التراجع الذي حدث في أغسطس الماضي، كان من المفترض أن يدفع ذلك الإنفاق على المنتجات الفاخرة إلى مستويات أعلى.
رغم أن هناك بعض التعافي، يبدو أن متسوقي السلع الفاخرة في الولايات المتحدة الأميركية ترددوا قبل انتخابات نوفمبر الماضي، ربما بسبب المخاوف من نتائج قد تكون عرضة للتشكيك فيها. يشير محللو "مورغان ستانلي" إلى أن الجزء الأكبر من الثروة التي تم تكوينها مؤخراً ذهب إلى الأجيال الأكبر سناً، بينما كان المحرك الرئيسي لنمو القطاع الفاخر في السنوات الأخيرة هو جيل الألفية وجيل "زد" (جيل ما بعد الألفية). ليس من المستغرب أن تكون ديبي هاري البالغة من العمر 79 عاماً هي وجه الحملة الإعلانية الجديدة لحقيبة "بلوندي" من غوتشي.
عوامل تجاوز المرحلة
منذ الانتخابات، تبددت بعض هذه المخاوف. رغم أن جميع المستهلكين لن يكونوا راضين، فإن احتمالات خفض الضرائب، لا سيما المفروضة على الأميركيين الأثرياء، ربما تساعد على تجاوز هذه المرحلة.
في نوفمبر الماضي، ظلت مبيعات العلامات التجارية الفاخرة الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية سلبية بالمقارنة بالسنة السابقة، متراجعةً بعد تسارع خلال سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وفق بيانات إنفاق بطاقات الائتمان الصادرة عن "سيتي غروب". يُعزى ذلك جزئياً إلى أن الوضع لم يكن سيئاً للغاية في نفس الفترة من 2023. ربما لعب الطقس الدافئ هذا الخريف، الذي أثر على مبيعات الملابس الفاخرة، دوراً في ذلك. رغم ذلك، كان الإنفاق على المجوهرات قوياً، ما أسهم في بقاء المبيعات أعلى من مستويات 2019.
بدأت تُظهر ساعات اليد أيضاً بوادر تحسن. ذكرت شركة "واتشز اوف سويتزرلاند غروب" (Switzerland Group)، التي حققت 45% من مبيعاتها في الولايات المتحدة الأميركية خلال النصف الأول من سنتها المالية، بزيادة في إقبال هواة اقتناء القطع الحصرية أو الإصدارات المحدودة منذ الانتخابات.
بعد أيام قليلة من الاقتراع، أعلنت شركة "سييه فينانسيير ريشمون" (Cie Financiere Richemont)، المالكة لعلامة "كارتييه"، أن قسمها للساعات عاد مؤخراً للنمو في السوق الأميركية، ما عزز ثقتها تجاه فترة ما بعد الانتخابات.
صعود بتكوين عامل مساعد
في ظل هذه الظروف ربما يكون صعود قيمة بتكوين عاملاً مساعداً. ارتبطت موجة ارتفاع العملة المشفرة خلال 2021 بزيادة كبيرة في أسعار الساعات المستعملة.
ربما يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تنتقل مكاسب العملات المشفرة إلى السوق، ولكن توجد بالفعل مؤشرات على الاستقرار. تراجع المؤشر العام للسوق الخاص بمنصة البحوث "ووتش تشارتس" (WatchCharts) بنسبة 0.7% فقط خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بعد التعافي في أكتوبر الماضي.
لكن العلامات التجارية الفاخرة تأمل أن يتجاوز تأثير صعود بتكوين قطاع الساعات، وأن يشمل أيضاً المستهلكين الشباب الذين يتمتعون بمستويات دخل مريحة والذين أُقصي العديد منهم عن السوق بسبب ارتفاع الأسعار. إذا تحقق ذلك، ستكون العلامات التجارية الأوروبية في وضع جيد للاستفادة من ذلك.
فرص نمو السوق الأميركية
رغم أن تقديرات 2024 تشير إلى أن الأميركيين يستحوذون على 29% من المبيعات العالمية، متفوقين على المستهلكين الصينيين، وفق شركة "مورنينغ ستار" (Morningstar)، إلا أن سوق السلع الفاخرة في الولايات المتحدة الأميركية تملك إمكانات نمو كبيرة.
خلال السنوات القليلة الماضية، توسع انتشار العلامات التجارية الأوروبية إلى ما وراء المناطق التقليدية مثل نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وشيكاغو. أصبحت مواقع مثل أوستن وأتلانتا وشارلوت وسكوتسديل وجهات جديدة لشركات السلع الفاخرة. مع الإيجارات المعقولة وقوة الدولار الأميركي، التي تزيد من قيمة المبيعات عند تحويلها إلى اليورو، تبدو عائدات هذه الاستثمارات واعدة.
بعد أن كانت تُعتبر في السابق علامات نخبوية، أصبحت الآن جزءاً من الثقافة الشعبية، لا سيما علامة "لوي فويتون"، بفضل تعيينها أولاً للمصمم الراحل فيرجيل أبلوه ثم للموسيقي فاريل ويليامز في منصب المدير الإبداعي لأزياء الرجال.
تتمتع "إل في إم إتش" بأفضل موقف للاستفادة من هذا التحول، إذ حققت 25% من مبيعاتها من السوق الأميركية خلال الربع الثالث من العام الجاري. بالإضافة إلى علامات مثل "ديور" (Dior) و"سيلين" (Celine) و"لويفي" (Loewe) تملك أيضاً العلامة التجارية "تيفاني أند كو" (Tiffany & Co). وتملك "لوي فويتون" أكبر قاعدة متاجر في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب تحليل أبحاث بنك "إتش إس بي سي". كما وسعت كل من "برادا" و"غوتشي" (Gucci) وجودهما، خاصة في المدن الثانوية.
تحديات السوق في الولايات المتحدة
لكن عملية الاستفادة من الطلب الأميركي لا تخلو من صعوبات. أبرز هذه الصعوبات تتمثل في احتمال فرض رسوم جمركية من قبل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.
رغم أن التواجد المحدود لعمليات التصنيع الخاصة بمعظم شركات السلع الفاخرة داخل الصين حيث تتركز سلاسل التوريد بصورة أساسية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا، فإن خطط فرض رسوم شاملة على كافة السلع المستوردة ربما تطالها.
عادةً ما تتمكن هذه الشركات من تمرير التكاليف الإضافية إلى المستهلكين، لا سيما وأنها تبيع منتجات باهظة الثمن والتي لا يتأثر الطلب عليها كثيراً بزيادة الأسعار. ومع ذلك، فإن ارتفاع معدلات التضخم في الصناعة على مدى السنوات الخمس الماضية يعني أن هامش المناورة لديهم أصبح أقل.
التصنيع في أميركا
ربما تتوافر فرصة لتوسيع أعمال التصنيع داخل الولايات المتحدة الأميركية. تتقدم في هذه الحالة "إل في إم إتش" مرة أخرى، إذ تصنع "لوي فويتون" بعض حقائب اليد والمنتجات الجلدية الصغيرة بولايتي تكساس وكاليفورنيا. لكن مع ارتباط العديد من العلامات التجارية بإرثها الأوروبي باعتباره جزءاً أساسياً من هويتها، ربما يكون نطاق التوسع محدوداً. من الممكن أن تضطر الشركات لتحمل الرسوم الجمركية، ما سيزيد الضغط على هوامش الربح.
رغم ذلك، يبدو أن هذا التهديد ما يزال بعيداً. ربما يكون هذا السبب وراء افتتاح "إل في إم إتش" متجراً مؤقتاً لـ"لوي فويتون" في موقع متجر نيكيتاون القديم في شارع إيست 57، بينما تعمل على تجديد الموقع الرئيسي القريب. يضم المقر المؤقت مطعماً يقدم "وجبات خفيفة فاخرة" وأول متجر شوكولاتة لـ"لوي فويتون" في الولايات المتحدة الأميركية. ربما يكون هذا المتجر مؤقتاً لبضع سنوات فقط، لكن خلال هذه الفترة سيكون المستهلك الأميركي عنصراً حاسماً في حجم ثروة الرئيس التنفيذي "برنارد أرنو".