بالنسبة للمدير التنفيذي لأكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، لم تعد مسألة توكننة الأصول مجرد احتمال مستقبلي، بل هي برأيه التحول الحتمي القادم في الأسواق المالية.
ففي رسالته السنوية إلى المساهمين، كشف لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاكروك، عن رؤية جريئة لقطاع الاستثمار، يؤمن فيها بأن كل سهم، وكل سند، بل وكل عقار، يمكن تمثيله برمز رقمي على شبكة بلوكتشين — مستقبل يراه أقرب مما نتصور.
هل سنشهد نهاية البنية المالية التقليدية؟
وفقًا لفينك، فإن البلوكتشين ليس فقط أداة لتسريع المعاملات، بل أيضًا لخفض التكاليف وتعزيز الشفافية. وهو يرى أن التقنية قادرة على القضاء على الوسطاء، وتوفير تسوية فورية للمعاملات، مما يفتح المجال أمام استثمارات أكثر كفاءة وشمولاً.
وفي لهجة حاسمة، شبّه اعتماد الأسواق المالية على شبكة SWIFT الحالية بإرسال الرسائل عبر البريد العادي في عصر البريد الإلكتروني. برأيه، هذه البنية التحتية، التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، لم تعد قادرة على مواكبة طموحات عالم مالي رقمي وسريع.
"كل سهم، وكل سند، وكل صندوق استثماري — بل كل أصل — يمكن توكننته. وإذا حدث ذلك، فسنشهد ثورة حقيقية في الاستثمار."
مبادرات بلاكروك على أرض الواقع لكن الهوية الرقمية... التحدي الأكبر
هذه الرؤية ليست مجرد كلام نظري. بلاكروك أطلقت بالفعل صندوق BUIDL على شبكة إيثيريوم، وهو صندوق سيولة رقمية مرتبط بالدولار الأمريكي، يوزع عوائده الشهرية مباشرة على محافظ المستثمرين. ومع ذلك، يبقى الصندوق حاليًا مخصصًا للمستثمرين الكبار فقط، إذ يتطلب حدًا أدنى قدره 5 ملايين دولار للدخول، ما يسلّط الضوء على محدودية الوصول في هذه المرحلة.
لكن رغم هذه البداية الواعدة، يعترف فينك بوجود عقبة كبيرة تحول دون التوسع الشامل في التوكننة: الهوية الرقمية.
في الأسواق المالية التقليدية، تمثل أنظمة التحقق من الهوية حجر الزاوية في كل معاملة. ولكن في عالم البلوكتشين، حيث تعمل الشبكات العامة دون وسطاء، تظل مسألة التحقق من هوية الأطراف نقطة ضعف كبيرة. فينك دعا إلى تطوير نظام عالمي موحد للتحقق من الهوية الرقمية، مشيرًا إلى نموذج الهند، حيث يمتلك أكثر من 90٪ من السكان القدرة على إجراء معاملات مالية آمنة عبر الهاتف.
"من دون حلول موثوقة للتحقق من الهوية، ستبقى التوكننة محصورة في نطاق النخبة المالية."
نحو عالم مالي أكثر عدالة؟
تبدو رؤية لاري فينك كأنها بوابة نحو عصر جديد من اللامركزية والشفافية، حيث يمكن أن تتيح التكنولوجيا فرصًا استثمارية أوسع حتى للمجتمعات غير المخدومة تقليديًا من النظام المالي. غير أن تحقيق هذا الحلم يتطلب أولًا معالجة المسائل القانونية والتنظيمية، وخلق بيئة تقنية يمكن الوثوق بها عالميًا.
وفي ظل التقدم الذي تحققه شركات مثل بلاكروك، قد لا يكون هذا المستقبل بعيدًا كما نعتقد.